Qunfuz

Robin Yassin-Kassab

الجمعة العظيمة

with one comment

بالأمس القريب رفع الرئيس بشار الأسد قانون الطوارىء, وحلّ محاكم أمن الدولة سيئة السمعة وسمح بالتظاهر السلمي. ولكن بعد صدور المرسوم الرئاسي تقدم أحد المحامين في الحسكة بطلب إذن لتظاهرة سلمية فاعتقلته قوات الأمن.

واليوم , يوم “الجمعة العظيمة” قامت مظاهرة ضخمة, سلمية وعزلاء في كل المناطق السورية. لجأ الجيش والشرطة والميليشيات إلى استخدام الذخيرة الحية والعصي الكهربائية والغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين. قٌتِل على الأقل 88 ابناً وابنة من أبناء السوريين, ومنعت قوى النظام بعض المصابين من تلقّي المساعدة الطبية اللازمة, بينما تمّ اعتقال مصابين آخرين من فوق أسرّتهم في المشفى. يمكن رؤية هذا

مركز دمشق “سالك بصعوبة”, تتواجد عناصر المخابرات زنقة زنقة وهنا وهناك. أعرف شخصاً كان متوجهاً من ضواحي العاصمة إلى وسطها لسبب لا علاقة له بالسياسة أبداً فأوقفته قوى الأمن هو وكل من كان معه في الميكروباص وتم اقتيادهم إلى مخفر الشرطة حيث حققوا معهم وتأكدوا من هوياتهم ومن ثم سمحوا لهم بالخروج. ولكن كان يمكن سماع هدير المظاهرات وإطلاق الرصاص من ضواحي دمشق وتوغلاً في قلبها حتى الميدان.

ثمة مثل مصري يقول: “أسمع كلامك أصدقك, أشوف أمورك أستعجب”, وكلام الرئيس خالٍ من أي معنى على الإطلاق.

بينما جلسات التنسيق المحلية التي تشكلت حديثاً والقريبة للشعب تقول ما يحمل معان عظيمة:

لا يمكن تحقيق الحرية والكرامة إلا من خلال التغيير السلمي الديمقراطي. يجب إطلاق سراح كل سجناء الرأي العام, وتفكيك أجهزة الأمن الحالية واستبدالها بجهاز أمني يمارس مهامه ضمن القانون وتضبطه تشريعات محددة.

في هذه اللحظة المحورية الهامة تتوزع سوريا, والعديد من السوريين- بين الأمل وبين الخوف. الأقليات تحديداً تخشى ما يمكن أن يحدث بعد هذا: تقييد الحريات العلمانية, والأسوأ منه, أنه ثمة شريحة من الناس يلومون مجتمعات كاملة – خاصة العلويين- على ما اقترفه النظام من جرائم حقيقية ومتخَيَّلَة, ويُخشى أن يقوم هؤلاء بالانتقام الخاطىء المضَلَّل. ثمة علويون بارزون لا علاقة لهم بالنظام ولقد تلقوا الآن رسائل تهديد من مجهولين (ويمكن طبعاً أن تكون من الشرطة السرية). وهذه التهديدات تذكّرهم بالسبعينات وأوائل الثمانينات عندما كانوا مستهدفين من الإخوان المسلمين. وفي نفس الوقت فإن العديد من السنة لا يعتبرون مجزرة حماة – التي قُتِل فيها عشرون ألفاً عام 1982- رد فعل همجي وقاسٍ ضد جماعة إرهابية وإنما هجوماً محسوباً ضد المجتمع السُنيّ.

إذاّ إن الخطر الطائفي حقيقي, وما يزيد الطين بلة هو الرموز الخارجية مثل الشيخ الطائفي يوسف القرضاوي, محبوب قناة الجزيرة, والذي أعلن عن دعمه للثورات في تونس ومصر وليبيا ولكنه عارض ثورة الأقلية الشيعية في البحرين, بل وصل به الأمر إلى أن هلّل للمحتل السعودي ولرواية آل خليفة السخيفة عن “المؤامرة”. وفي حديثه عن سوريا وصف القرضاوي الرئيس بشار على أنه أسير طائفته, وأن سوريا ذات الأغلبية السنية محكومة من العلويين. هذه القصة لا تزيد فقط من التوتر الطائفي في سوريا, بل إنها ببساطة غير صحيحة. لم يحاول حكم حزب البعث أن يفرض الهوية العلوية على البلد بأي طريقة كانت, بينما على سبيل المثال كان صدام حسين يصف البلد بألقاب سنية بطولية. التعليم الديني في المدارس السورية هو المذهب السني تحديداً. ومع أن الرتب العليا في الجيش والمخابرات هي من العلويين إلا أن النظام بشكل عام يشكل تحالفاً من كل الطوائف السورية. ولم يعد معظم العلويين مفضلين لدى النظام أكثر من غيرهم. لقد عانى العديد من العلويين على أيدي النظام إذ قُتِل العديد منهم أو تعرضوا للتعذيب أو للقتل. لقد كانت سياسة النظام هي إرضاء كل الطوائف باختيار النخبة من كل طائفة لكن الآن تتظاهر عامةُ الناس معبرين عن غضبهم من فساد الطوائف كلها دون استثناء, وهذا قد يكون دليلاً على أن قبضة الطائفية ترتخي في المجتمع السوري.

يتوجس السوريون من الديمقراطية ومعهم الحق بذلك إذ أن جيرانهم “الديمقراطيين” منقسمون بتصدعات طائفية عنيفة. ولكن ليس من الضرورة أن تكون حال سوريا مشابهة إذ أن لبنان والعراق لم يحصلا على ديمقراطتيهما بانتفاضة شعبية غير مسلحة, وإنما دُمِرت العراق بالحظر والغزو والاحتلال قبل أن تحل فيها “الديمقراطية”. بينما لبنان ديمقراطية طائفية لأن فرنسا خلقتها على هذه الشاكلة. لم يقم أي من البلدين (في الفترة المعاصرة) ببناء حس بالهوية الوطنية من خلال نضال وطني عام.

فقدت قوات الأمن أكثر من أربعين عنصراً منذ أن ابتدأت الانتفاضة. يزعم أهالي بعض الجنود أن أبناءهم قُتِلوا لأنهم رفضوا إطلاق الرصاص على المتظاهرين, بينما عائلات الجنود القتلى في الشمال الغربي يلومون المندسين, والسلفيين الذين يدعمهم الحريري, أو رجالاً موالين لنائب الرئيس السابق (والمنفي) عبد الحليم خدام . لقد تم نصب كمين قرب بانياس للقادة العسكريين وتم قتلهم مع عائلاتهم والتنكيل بجثثهم, ومن ثم اعتُقَل رمز المعارضة محمود عيسى بعد أن أدلى على قناة الجزيرة أنه يعرف من قتل الضباط.

أنا لا أعرف من قتل هؤلاء الضباط ولكن لنفترض أنهم السلفييون أو أهالي المتظاهرين القتلى يقومون بالانتقام , يبقى من الخطأ أن نربط الانتفاضة بأكملها بهؤلاء المجرمين. هذه اللامنطقية تُبقي الناس سجناء في أقفاصهم بينما تنادي الأغلبية الغالبة من المتظاهرين بالحرية والوحدة الوطنية.

لا يوجد أجندة سَلفية وراء كل هتاف يقول (الله أكبر), وإنما بالنسبة لمعظم المتظاهرين ما هو إلا رد فعل صرف ضد القمع. إن ما يريدون قوله بهتافهم (الله أكبر) هو أن الله أكبر من الغاز المسيل للدموع وأكبر من الرصاص وأكبر من الهراوات, إنها طريقتهم في السيطرة على الخوف من الموت. أنا أشاهدهم على مقاطع الفيديو في اليوتيوب ينادون للحرية لكن ما أن يبدأ الرصاص بالانهمار فوق رؤوسهم يبدأوون بهتاف الله أكبر , ألا ترون أن هذا منطقي تماماً؟

وسواء أعجبنا أم لم يعجبنا فإن معظم السوريين متدينون (وليسوا بالضرورة روحانيين) وسوف يعبّرون عن أنفسهم بشكل ديني. ولا مشكلة في هذا ما دام المتدينون يتفهمون أنه كي تنجح الديمقراطية يجب السماح للأقليات والعلمانيين بالتعبير عن أنفسهم أيضاً, كي يتمكنوا من العيش المشترك بسلام مع من حولهم.

إلى متى يجب أن تنتظر سوريا كي يحدث التغيير ؟ إن نصف قرن من حكم الحزب الواحد لم يكن كافياً لحل مشكلة الطوائف وإنما ساءت الأمور أكثر. إذ أن معالجة الطائفية عن طريق القمع تشبه معالجة المسائل العاطفية عن طريق الحشيش: قد تخفف الأزمة بشكل مؤقت ولكن فقط عن طريق تخدير المريض وتجميد حالته على مبدأ “مكانك راوح”. ولكن على المدى الطويل فإن الفشل في مواجهة المشكلة يؤدي إلى تفاقمها. إن أفضل علاج للطائفية وللمشاكل العاطفية هو التكلم عنها (الطائفية في الحقيقة مشكلة عاطفية

لو أن بشار التزم بوعده بالإصلاحات السياسية منذ أحد عشر عاماً لما كنا على ما نحن عليه الآن. ولو كانت سوريا تتمتع بحرية صحافة معقولة, ولو تم السماح للمنظمات غير الحكومية والناشطين والأحزاب السياسية اللاطائفية بحرية العمل لأدى هذا إلى تشكل الحوار ولساعد الناس في التنفيس عن أنفسهم و مكّن المنظمات السياسية خارج المساجد من العمل على قضايا عملية عوضاً عن قضايا مبنية على رموز أسطورية.

إليكم لقطتان من الأخبار اليوم:

الأكراد في القامشلي وعامودا يهتفون “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد, كردي وعربي واحد”.

أخبر إمام مسجد في بانياس أحد الصحافيين :” لا يوجد مشكلة بين السنة والعلويين وإنما تكمن المشكلة في الولاء للنظام”.

و ظهر فيديو لعصابة مسلحة ترعب السوريين, ليست من السلفيين ولا اللبنانيين أو الأميركان وإنما عصابة من الشبيحة الموالية للنظام. لقد أصبح شأناً أكاديمياً أن نناقش ما إذا كانت الانتفاضة مبررة أم لا. إنها تحدث الآن وعجلة التاريخ تتحرك وتدور.

أنا أذكر منطقة المعضمية جيداً: إنها ضاحية فقيرة من ضواحي غرب دمشق, ولقد تم عقد قرآني على زوجتي فيها. المقطع التالي مأخوذ من الجزيرة Live blog .

ولقد أخبر طبيب من المعضمية أحد صحافيي الجزيرة:

“يوجد أربعة قتلى وخمسون جريحاً لكن لا يمكننا أخذهم إلى المشافي العامة أو الخاصة. في مستشفى داريا كانت قوى الأمن تطلق النار وتقوم بالاعتقالات لذلك فإني أعالج المصابين الآن في داخل بيوتهم ومن الصعب جداً معالجتهم لأن أغلبهم يعانون من إصابات في الرأس. يمكنني أن أخبرك الآن أن الوضع في المعضمية لن يهدأ أبداً. اليوم هو يوم تاريخي في هذه البلد. يوجد الآن استراتيجية جديدة لقتل كل المتظاهرين وليس الاكتفاء باعتقالهم فقط.”

Written by Robin Yassin-Kassab

April 24, 2011 at 5:47 pm

Posted in Syria

One Response

Subscribe to comments with RSS.

  1. الله يعطيك العافية

    أمنية

    April 28, 2011 at 4:10 pm


Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: